عيادة سجن الرملة.. رحلة معاناة لا شفاء منها

تم النشر: 24-12-2022 الساعة 12:06

 لم يكن القسم المخصص للأسرى المرضى بشكل دائم، ولفحص الأسرى إن احتاجوا لعلاج أو فحوصات والذي يطلق عليه الاحتلال الإسرائيلي "مستشفى" مكانًا للشفاء، بل إن الأسرى لا يعدونه سوى مكانًا للعذاب، وأقل من أن يطلق عليه عيادة! إذ إن ما جرى مع الشهيد الأسير أبو حميد يكشف حجم المعاناة الطبية الت يتعرض لها الأسرى داخل سجون الاحتلال.

ويقع سجن الرملة بين مدينتي الرملة واللد داخل الخط الأخضر، وهو مجمعٌ أمنيٌ كبير بنته عام 1934 سلطات الاحتلال البريطاني، وهو محاط بسور مرتفع.

تعذيب لا شفاء!

يقبع الأسرى المرضى من الحالات الصعبة في عيادة سجن الرملة، والذين يعانون من سياسة الإهمال الطبي، ولا يقدم لهم العلاج اللازم بل المسكنات في أكثر الأحيان، ولا يتم تشخيص الحالات المرضية، ما يفاقم الأوضاع الصحية للأسرى، وهو أمر بحسب الأسير المحرر فخري البرغوثي،  "زنازين أكثر من كونه مستشفى، وهو أسوا من السجون ذاتها".

ويؤكد البرغوثي على أن الذهاب إلى عيادة سجن الرملة تعد معاناة للأسير ويبقى أيامًا لحين الوصول إليه، بل إن ما كان لافتًا أن كثيرًا من الأسرى يفضلون بأقسام السجون بدلاً من الذهاب إلى "عيادة سجن الرملة".

وبحسب البرغوثي، فإنه لا يوجد اهتمام بالأسرى إن دخلوا هذا السجن، بل إن ما يحدث حين وجود الأسير المريض في "الرملة" أن ممرضًا يقوم بتوزيع الأكامول ومن صرف له دواء إن تم ذلك  كما لا يوجد أي اهتمام أو فحوصات يقوم بها الممرضون،  في حال كان وضع الأسير خطيرًا كمن يحتاج لأنبوبة أوكسجين أو كراسي متحركة.

ويشير البرغوثي إلى أن عيادة سجن الرملة لا يصح ان تسمى "مستشفى"، بل إنها عادة فيها أدنى متطلبات تشغيل أي عيادة، ومن ينقل إليه ويبقى بشكل دائم من لديهم أمراض مزمنة خطيرة، أو إعاقات، وبقية المرضى يمكثون فيه أيامًا ثم يعودون للسجون.

من جانبه، يقول الأسير المحرر لؤي المنسي "إن عيادة سجن الرملة، مثلها كأي قسم ببقية السجون، يفرض فيها على الأسرى العدد والفحص الأمني، والتفتيشات، وهي ليست مستشفى، لكن يتوفر فيها ممرضين، يتواجدون خارج القسم، عدا أن فيها حمام وسرير مخصص للمرضى".

ويشير المنسي إلى أن الأسرى الذين يوجدون في عيادة سجن الرملة هم من يكونون بحالة طارئة تحتاج الوجود فيها، لكنها ليست مستشفى، ولو كانت كذلك لما نقلت الحالات الطارئة إلى مستشفيات ثم تعاد مجددًا، والعلاج المقدم في عيادة سجن الرملة هو المسكنات في غالب الأحيان، وإن تم صرف أدوية فإنها من أرخص الأنواع وأقلها جودة!

ووفق المنسي، فإن الأسرى في سجون الاحتلال يضطرون لفرز أسير يتم تبديله بأسير آخر بين الحين والآخر، للإشراف على الأسرى المرضى بعيادة سجن الرملة، ممن يحتاجون الرعاية ومساعدتهم بتدبير أمور حياتهم اليومية.

لا ثقة بعلاجهم!

ما كان لافتًا بالنسبة للأسير فخري البرغوثي، أنه طيلة مدة اعتقاله التي امتدت 34 سنة، كان يفضل عدم الذهاب إلى "عيادة سجن الرملة" وإن اضطر كان يعطى أدوية ولا يستخدمها، فهو لا يثق بعلاجات الاحتلال.

ما يخشاه البرغوثي أن يحال الاحتلال قتل الأسرى، وغرس أمراض في أجسادهم، بل إن أعطي العلاج لا يعطى المطلوب، وإن تم صرف الأدوية فربما تزيد من المرض، وهو يعتقد أن تلك الأدوية ربما تكون وسيلة لقتل الأسرى بطرقة غير مباشرة.

يقول البرغوثي: "إن ما حدث مع الشهيد الأسير ناصر أبو حميد، يكشف حجم القتل البطيء الذي تعرض له، وإن الاحتلال كان باستطاعته علاج ناصر لكن هنالك تعمد بإيصاله لهذه المرحلة، إن دولة الاحتلال لديها إمكانيات طبية كبيرة ومتطورة، لكنهم أرادوا قتل ناصر ببطئ، وهو ما حدث مع عديد الأسرى وسبقه بذلك الشهيد الأسير كمال أبو وعر".

ويرى الأسير المحرر فخري البرغوثي أنه بات مطلوبًا من كافة المؤسسات الحقوقية محليًا وإقليميًا ودوليًا أن تضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل تحسين العلاج المقدم للأسرى، وأن يتم نقل الأسرى لمستشفيات مدنية إن احتاجوا لذلك، لا أن يتركوا يصارعون المرض حتى استشهاهم.

رحلة المعاناة إلى "الرملة"

حينما يضطر أي أسير لإجراء فحوصات أو صورة أشعة يضطر للحجز والانتظار على الدور للذهاب إلى عيادة سجن الرملة، مدة تصل بين خمسة شهور وربما سنة في بعض الأحيان، ويضطر للذهاب بمركبة "البوسطة" ويسافر الأسير ويتنقل بين السجون مدة 5 أيام في بعض الأحيان، ويبقى يوم في معبار "سجن الرملة"، ولا يتم إدخاله بين الأسرى المرضى خشية أن يعرف اخبارهم، يؤكد الأسير المحرر لؤي المنسي في حديث لـ"القدس".

يقول المنسي الذي أمضى في سجون الاحتلال 15 عاماً: "لا يوجد أسير احتاج للعلاج إلا وشعر بحجم المعاناة، حتى صورة الأشعة التي تحتاج 5 دقائق في الخارج يحتاج الأسير إلى مدة قد تصل إلى سنة وهو في السجن! حينها يأخذ الأسير بالحسبان تلك المعاناة، فيلغي الذهاب للرملة بدلاً من الدخول بكل هذه المعاناة".

يشار إلى أنه يوجد في سجون الاحتلال نحو 4700 أسير وأسيرة يقبعون في (23) سجن ومركز توقيف وتحقيق، بينهم أكثر (600) أسير يعانون من أمراض بدرجات مختلفة وهم بحاجة إلى متابعة ورعاية صحية حثيثة، منهم (24) أسيرًا ومعتقلًا على الأقل مصابون بالسرطان، وبأورام بدرجات متفاوتة، واستشهد عدد منهم كان آخرهم الشهيد ناصر أبو حميد.

وباستشهاد الأسير ناصر أبو حميد، فإن عدد شهداء الحركة الأسيرة بلغ (233) شهيداً، وذلك منذ عام 1967، بالإضافة إلى مئات من الأسرى اُستشهدوا بعد تحررهم متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون.