لماذا تشهد علاقة الشباب العربى بالدين تحولاً؟

تم النشر: 21-07-2022 الساعة 09:59

تحول كبير فى علاقة الشباب دون الـ30 عاماً بالدين وممارسة الشعائر الدينية فى العالم العربى. إذ يتزايد عدد من يقبلون على التدين قياساً بعددهم فى عام 2018 حسب استطلاع جديد أجرته شبكة «البارومتر العربى» لصالح «بى بى سى».

وكانت الشبكة قد أجرت استطلاعاً مماثلاً فى أواخر عام 2018 وربيع عام 2019 شمل الفئة نفسها من المبحوثين، ووجهت إليهم نفس الأسئلة، لكن الإجابات كانت مختلفة للغاية.

فقبل أقل من 4 سنوات خلص الاستطلاع إلى أن عدداً متزايداً من العرب أداروا ظهرهم للتدين وممارسة الشعائر الدينية.

ورصد الاستطلاع وقتها أن ثلث التونسيين وربع الليبيين وصفوا أنفسهم بغير المتدينين، أما فى مصر فقد أشارت نتائج استطلاع عام 2018 إلى تضاعف عدد غير المتدينين، بينما تضاعف حجمهم أربع مرات فى المغرب.

وما كان لافتاً فى ذلك الوقت هو أن الزيادة الكبرى فى أعداد غير المتدينين كانت بين الشباب ممن هم دون الثلاثين عاماً، إذ ارتفعت نسبتهم بـ18 فى المائة.

لكن بحسب استطلاع الرأى الأخير، شهدت تونس وليبيا والمغرب والسودان ومصر والأردن والأراضى الفلسطينية، تراجعا فى عدد من وصفوا أنفسهم بغير المتدينين من كل الفئات العمرية، فيما كشف الاستطلاع أن مزيدا من مواطنى هذه البلدان باتوا يصفون أنفسهم بالمتدينين.

وبحسب استطلاع 2022، شهد المغرب انخفاضاً بـ7 فى المائة فى عدد من وصفوا أنفسهم بأنهم غير متدينين بين كل الفئات العمرية، تليه مصر بانخفاض بنحو 6 فى المائة، ثم تونس وفلسطين والأردن والسودان بانخفاض بنسبة 4 فى المائة.

أما فى فئة الشباب الذين تقل أعمارهم عن الـ30 عاماً، فشهدت تونس التراجع الأكبر فى عدد الشباب الذين وصفوا أنفسهم بأنهم غير متدينين.

فاليوم، يصف نحو ثلثى الشباب التونسى المشارك فى الاستطلاع أنفسهم بالمتدينين، وهو تراجع كبير مقارنة باستطلاع عام 2018، الذى وصف فيه نحو نصف الشباب التونسيين المشاركين فى الاستطلاع أنفسهم بأنهم غير متدينين.

وشهد المغرب ومصر ثانى أكبر معدل انخفاض فى عدد الشباب الذين وصفوا أنفسهم بأنهم غير متدينين.

إذ يقول 10 فى المائة من الشباب المغاربة و6 فى المائة من الشباب المصريين المستطلعة آراؤهم إنهم ليسوا متدينين.

وشارك فى هذا الاستطلاع 23 ألف شخص، تم اختيارهم عشوائياً بحيث يمثلون مختلف الأطياف فى كل الدول المشمولة فى الاستطلاع، وتمحورت الأسئلة حول ممارسة الشعائر الدينية ومن بينها أداء الصلوات وقراءة القرآن بانتظام، كما تم سؤال المستطلعة آراؤهم عن تولى المتدينين المناصب العليا فى بلادهم وتأثير رجال الدين على القرارات الحكومية، ومن أين يجب أن تستمد قوانين بلدانهم، فضلاً عن رأيهم بتعليم الدين فى المدارس.

يبلغ باسم (اسم مستعار) 26 عاماً من العمر، وقد درس الهندسة ومن بعدها إدارة الأعمال فى الجامعة الأمريكية فى لبنان، ويقول: «منذ 5 سنوات قررت ترك الديانة المسيحية التى تتبعها عائلتى، أنا من أسرة متدينة جداً وتمضى الليل كله فى الصلاة والعبادة وأنا كنت كذلك حتى أتممت الـ21 عاماً، وقتها دفعنى الفضول للاطلاع على مقطع مصور على يوتيوب بواسطة أحد اللا دينيين، ومن وقتها ثارت فى رأسى أسئلة لدرجة كان يصعب معها النوم». ويحكى «باسم» أنه ليس الوحيد الذى اختار الابتعاد عن ممارسة الشعائر الدينية بين أصدقائه، «كل أصدقائى صاروا مثلى، ليس لدى شعار ولا أملك أية حقيقة».

ومع ذلك يحكى عن صعوبات هذا الاختيار، «وقتها تفاجأت أسرتى ولم يعد أحد يتقبلنى، وأنا لا أتقبل أحداً. فعندما كنت متديناً كان لدىَّ أب يسمعنى وأتحدث معه ويهمه أمرى، وكان لدىَّ حياة أبدية بعد الموت، أما الآن فأنا أصبحت وحيداً أحكى ولا أحد يسمعنى وهو اختيار قاسٍ وصعب».

«الفقر يدفع للتدين وعدم التدين معاً»

لكن لماذا يصف «باسم» وآلاف الشباب اللبنانيين أنفسهم بغير المتدينين، يرى عميد كلية العلوم الدينية فى جامعة القديس يوسف فى بيروت، صلاح أبوجودة، أن السبب الأساسى فى ارتفاع معدلات عدم التدين بين الشباب تحديداً، هو الانهيار الاقتصادى والمالى وتراجع كل أسباب العيش الكريم بين اللبنانيين، ويقول أبوجودة إن أسباب هذا الانهيار راجعة إلى النظام الطائفى الذى تعيش فيه البلاد منذ عقود طويلة، إذ يشير إلى أن النظام الطائفى فى لبنان يشمل العمل السياسى والخطاب الدينى على السواء، وهو ما يجعل علاقة الناس بالدين مرتبطة بالأوضاع السياسية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة. فعلى العكس من تونس ومصر، تسببت الأوضاع الاقتصادية والسياسية السيئة فى لبنان إلى زيادة عدد الشباب العازف عن ممارسة الشعائر الدينية.

وبحسب جودة، دفعت هذه الظروف الاقتصادية الصعبة والأزمات المالية التى اشتدت منذ عام 2018، الشباب للخروج فى «انتفاضة شعبية، على النظام الطائفى الذى اعتبروه متهماً رئيسياً فى معظم مشكلات البلاد، فالتظاهرات كانت تعبيراً عن غضب وسأم هذا الشباب من كل القيادات فى هذا البلد».

ومنذ ذلك الحين، كما يقول «جودة»، زادت الفجوة بين الشباب اللبنانى ومختلف الأديان والطوائف الموجودة فى البلاد.