المبيدات الحشرية بشكل محدد مواد كيميائية خطيرة

تم النشر: 25-12-2022 الساعة 19:01

أثارت قضية وفاة الأطفال وحدوث الإصابات في مدينة بيت ساحور قبل عدة أيام، جدلا واسعا حول طبيعة المواد الكيميائية السامة التي تسببت بالفاجعة، وحول وسائل وصولها إلى بلادنا، وإجراءات تخزينها وبيعها واستخدامها، وحول الجهات المسؤولة عن مراقبة والتعامل مع المبيدات سواء في مجال الصحة العامة أو الزراعة، وكذلك حول مدى خطورتها، وبالأخص حول الآثار بعيدة المدى نتيجة التعرض لكميات قليلة منها على فترات طويلة، وكذلك حول توفر الوسائل والأجهزة والمختبرات لإجراء الفحوصات المتعلقة بها.

ومن المعروف أن المبيدات الكيميائية تستخدم في بلادنا وبكثافة في بعض المناطق، وخاصة مناطق الزراعة المكثفة مثل الأغوار، وكذلك في مجال مكافحة الآفات والقوارض في إطار الصحة العامة، والمبيدات هي مواد كيميائية سامة يتم تصنيعها في المختبر، وسميتها قد تكون شديدة، بالأخص مبيدات "الفسفوعضوية"، حيث ينتمي الغاز السام الذي يشتبه بالتسمم به في بيت ساحور، ومن الأمثلة على هذه المبيدات والتي استخدمت في بلادنا، مبيد "الفيلدول" و"المالاثيون" ومبيد "دورسبان" ومبيد "ديازينون" والعديد من المبيدات الأخرى التي تنتمي إلى نفس العائلة الكيميائية.

والمبيدات الحشرية بشكل محدد مواد كيميائية خطيرة، حيث تعمل على القضاء على الحشرات عن طريق تثبيط عمل أنزيمات في الجهاز العصبي للحشرة ومن ثم شل عمله، حيث يؤدي ذلك إلى الإرباك من خلال عدم التحكم في الإشارات والرسائل العصبية إلى أجزاء الجسم المختلفة ومن ثم الموت، وما ينطبق على الحشرة يمكن أن ينطبق على الإنسان إذا تعرض لمبيدات وبتراكيز أعلى، والمثال على ذلك مبيد "الفيلدول"، وتظهر آثار التسمم بشكل سريع وشديد نتيجة شل عمل الجهاز العصبي، ومن أعراضها سيلان الدموع واللعاب والدوخان والرجفة ومن ثم الشلل فالموت، ويعتبر الأطفال والنساء الحوامل من اكثر الناس حساسية للتعرض لهذه المبيدات.

والمبيدات "الفسفوعضوية" مثلا تم اكتشافها من قبل الألمان من خلال الأبحاث على الأسلحة الكيميائية، وهناك أسلحة كيميائية استخدمت وما زالت تستخدم في حروب وصراعات تنتمي إليها، مثل مواد "السارين" و"السومان" وغير ذلك، وبالتالي فهذا يتطلب الحذر في التعامل مع المبيدات، من حيث التسجيل والتخزين والاستخدام، وكذلك كيفية التخلص من بقاياها، ويجب عدم تخزين المبيدات أو تجزئتها في أوعية غير الأوعية الأصلية، أو إعادة استخدام أوعيتها الأصلية لاستخدامات أخرى مثل تخزين الزيت أو المياه، وكذلك يجب التخلص من عبوات المبيدات الفارغة فورا وبالطرق الصحيحة وحسب الإرشادات المتواجدة على العبوة.

وآثار التسمم بالمبيدات قد تكون لحظية أو سريعة كما حدث في حادثة التسمم في بيت ساحور، وفي أحيان عديدة لا تظهر الآثار بشكل فوري، وذلك نتيجة التعرض إلى مواد كيميائية بتراكيز قليلة، ولكن ومع استمرار التعرض للمواد الكيميائية، تبدأ الآثار تظهر ويمكن أن يكون ذلك بعد عدة سنوات على أشكال أمراض فتاكة ومزمنة، وهذا ربما يفسر تزايد نسبة أمراض السرطان أو أمراض الجهاز التنفسي أو تزايد التشوهات الخلقية والإعاقة في مناطق محددة، تستخدم فيها مواد كيميائية محددة وبشكل متواصل.

والأطفال والنساء الحوامل أكثر حساسية للتعرض إلى مخاطر المبيدات، وذلك بسبب هشاشة الجهاز العصبي ونموه المتواصل عند الجنين والطفل، وهذا ربما يفسر وفاة الأطفال في حادث التسمم في بيت ساحور بينما لم يمت البالغون الذين تسمموا في الحادث، حيث هناك دراسات عديدة منشورة تظهر أن العديد من المبيدات تنتقل من آلام الحامل إلى الجنين خلال فترة الحمل حين تتعرض آلام إلى المبيدات، وأن تأثير هذه المبيدات على الأجنة قد يكون وخيماً، وذا آثار بعيدة المدى تتمثل في إحداث تشوهات خلقية، وإحداث اضطرابات سلوكية أو حتى إحداثها تغييرات في جنس الجنين.

وفي إطار قضية التسمم، المطلوب وجود أو تفعيل مختبر وطني متخصص بالسموم في إطار مركز وطني اكبر واشمل للعلوم الجنائية، بحيث يعتبر هذا المختبر ركيزة أساسية من اجل اتخاذ القرارات أو لتوضيح الشبهات أو من اجل نزاهة الأحكام القضائية المبنية على أدلة علمية، وذلك من خلال تقديم الحقائق والوقائع بأسلوب علمي موضوعي، ويعتبر مختبر السموم أو مختبر العلوم الجنائية احد الأسس لبناء جهاز قضائي نزيه، وفي نفس الوقت لاتخاذ قرارات مصيرية أو لتوضيح طبيعة وكمية مواد مشبوهة، أو للإجابة عن أسئلة تتعلق بحوادث تسمم مثل الذي حدث في الهند، والتي قد تحدث في بلادنا.