قيمة رسالة بطريرك القدس للرئيس الأمريكي وأهمية استثمارها!‏

تم النشر: 20-07-2022 الساعة 13:43

في خطوة تاريخية وسبّاقة سلّم البطريرك ثيوفيلوس الثالث بطريرك المدينة المقدسة للروم الأرثوذكس ‏الرئيس الأمريكي بايدن عند زيارته الأخيرة للبلاد رسالة هامّة حملت صرخة كنائس القدس ضدّ الاعتداءات ‏المستمرّة على العقارات والاوقاف المسيحية في البلدة القديمة، والتي تحاول الجهات الاستيطانية الاستيلاء ‏عليها.

ومن حيث أمثل عائلة السيد تيسير عداوين في الدعوى التي قدمتها الجهات الاستيطانية للمحكمة ‏لترحيلها من عقار بطريركية الروم الأرثوذكس في باب حطّة، أعتبر هذه الرسالة خطوة عظيمة وجريئة وعلى كل ‏الغيورين على القدس وكنائسها استثمارها من أجل انقاذ العقارات المسيحية من براثن الجهات الاستيطانية، ‏والحفاظ على الوضع القائم في القدس.‏

أستند في رأيي هذا إلى دلائل مختلفة، ومنها: ‏

أولا: إنّ كل قنوات الاعلام الإسرائيلي الرئيسة تناولت رسالة  البطريرك للرئيس الأمريكي وأولتها ‏اهتمامًا بالغًا، ممّا يدلّ على أهمية هذه الرسالة خاصّة أنها تصدر من شخصية كنسية هامّة كالبطريرك ‏الذي يجلس على الكرسي البطريركي لأعرق واقدم الكنائس- بطريركية الروم الأرثوذكس الاورشليمية. بل إنّ ‏الرسالة فاجأت الطرف الإسرائيلي الذي لم يكن يتوقع مثل هذه السابقة، خاصّة في هذه الفرصة التاريخيّة ‏الهامّة كزيارة الرئيس الامريكيّ لكنيسة المهد وهي أقدس الأماكن المسيحية في العالم . ‏

ثانيا: دلت التجارب المختلفة على مدار السنوات أنّ المسار الإعلامي وخاصة الدولي هو محور حساسّ ‏وموجع من جهة دولة إسرائيل، اذ أنها تدأب دائمًا على تصوير نفسها في العالم كدولة تحترم حرية الأديان، ‏والعبادة وسيادة الكنائس، فجاءت رسالة البطريرك لتفضح الحقيقة القائمة على أرض الواقع من جهة تعامل ‏الدولة مع العقارات الارثوذكسية والكنائس عامّة، وتواطؤها مع محاولات المستوطنين الاستيلاء والاعتداء على ‏عقارات الكنائس في القدس. ‏

ثالثا: لقد أكدت رسالة البطريرك مجدّدا أهمية الحفاظ على الوضع القائم (الستاتيكو) وأن استيلاء ‏المستوطنين على العقارات الواقعة على الدرب الموصل لكنيسة القيامة هو مساس سافر لهذا المبدأ الملزم لكل ‏سلطة حاكمة في القدس، وكم بالحري دولة إسرائيل كسلطة احتلال. إنّ سيطرة المستوطنين على هذه ‏العقارات هو تغيير جذري في واقع البلدة القديمة وحي النصارى خاصّةً وهوية القدس وطابعها التاريخيّ، وهو ‏مخالفة صارخة للقانون الدولي وللأعراف والقوانين الخاصة بالعقارات والاوقاف الكنسية.‏

رابعا: يرفض القضاء الإسرائيلي حتى الساعة وبشكل تعسفيّ التماسات بطريركية الروم الأرثوذكس ‏والمستأجرين الفلسطينيين الساكنين في العقارات ابطال اتفاقيات التأجير التي حصلت عليها الجهات ‏الاستيطانية بالنسبة للعقارات المذكورة. ويعبّر موقف القضاء الإسرائيلي في هذه القضية عن إنكاره لسيادة ‏وحرمة الكنائس وحقها في الحفاظ على عقاراتها، بل هو يُكره البطريركية على الرضوخ لاتفاقيات باطلة أعلنت ‏البطريركية رفضها منذ لحظة اكتشافها حتى إنّ البطريركية عزلت البطريرك السابق على خلفية هذه الاتفاقيات ‏وهو قرار تاريخيّ نادر. ولهذا لا يمكن أن نأمل ان يكون انقاذ العقارات من خلال الساحة القضائية المحليّة. ‏نظرا لذلك ومن خلال ادراكه لقيمة ومكانة البطريركية الأرشليمية وسائر كنائس القدس يناضل ‏البطريرك منذ أعوام لإنقاذ هذه العقارات بواسطة القنوات الدولية والإعلامية، وذلك بالتعاون الدائم مع ‏المملكة الأردنية الهاشمية والسلطة الوطنية الفلسطينية واللجنة العليا للكنائس في فلسطين برئاسة الدكتور رمزي ‏خوري. رسالة البطريرك الأخيرة للرئيس بايدن هي خطوة هامة اخرى في هذا الاتجاه وقد تكون الأهم الى هذا ‏الحين.‏

وحتى لو أنّ رسالة البطريرك لم تحصل على موقف أمريكيّ صارم وفعليّ يساند البطريركية ‏والمستأجرين، وهو أمر متوقع بالنظر الى العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فان الرسالة ذاتها ووقعها في ‏الاعلام الإسرائيلي والدولي إنجاز كبير. لذا يجب استثمار هذه الرسالة والبناء عليها حاضرًا ومستقبلًا الى ان ‏تنجح الجهود المبذولة لحماية العقارات من الاستيطان والحفاظ على الوجود المسيحي والكنسي في البلدة ‏القديمة وهو جزء أصيل من هوية القدس وتاريخها وميراثها. ‏