"المنع الأمني": إعدام إسرائيلي بطيء لمرضى غزة والأطفال الضحية الأكبر

تم النشر: 03-09-2022 الساعة 10:35

لفظ الطفل فاروق أبو النجا (6 سنوات)، من سكان محافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، أنفاسه الأخيرة، بينما كان ينتظر تصريحاً إسرائيلياً يسمح له بالمرور عبر حاجز بيت حانون "إيريز"، بهدف الوصول إلى مستشفى "هداسا عين كارم" في القدس، للعلاج من مرض ضمور الخلايا العصبية في الدماغ، بعد أن قرر أطباء القطاع عدم توفر علاج داخل غزة لحالته، وجرى منحه تحويلة طبية عاجلة من وزارة الصحة.

ووفق عائلة أبو النجا فإن الاحتلال ماطل في إصدار تصريح لنجلهم، رغم خطورة حالته، وحاجته الماسة للسفر من أجل العلاج، لإنقاذ حياته، وقد واصلت حالته الصحية التدهور حتى توفي في الخامس والعشرين من الشهر الماضي.

وحمل مركز الميزان لحقوق الإنسان الاحتلال المسؤولية عن وفاة الطفل أبو نجا، خاصة أنه حصل على موعد من المستشفى منذ شهر كانون الثاني من العام الجاري، وبقي بينه وبين الوصول للمستشفى صدور تصريح مرور عبر حاجز بيت حانون، لكن طلبه بقي معلقاً لدى سلطات الاحتلال، بذريعة "تحت الدراسة" ولم يتمكن من السفر، وفي العاشر من آب الماضي، حصل على موعد آخر، وإضافة إلى تدخلات المراكز القانونية، بقي طلبه أيضاً تحت الدراسة ورفض الاحتلال منحه تصريحاً حتى توفي.

ولم يكن الطفل أبو النجا الضحية الأولى لإجراءات الاحتلال التعسفية ضد المرضى هذا العام، فقد سبقته ثلاث حالات وفاة في قطاع غزة، جميعهم قضوا خلال انتظارهم تصاريح ماطل الاحتلال في إصدارها، ومن بينهم الطفلة فاطمة المصري، من سكان محافظة خان يونس، وتبلغ من العمر عامين، إذ توفيت في شهر آذار الماضي، خلال انتظارها الحصول على تصريح لمغادرة القطاع لاستكمال علاجها، وفق والدها جلال المصري، الذي أكد أن ابنته كانت تعاني مشكلة في القلب والرئتين، وأنها قضت ثلاثة أشهر وهي تنتظر تصريحا للخروج من القطاع، رغم امتلاكها تحويلة طبية، وكافة الأوراق اللازمة للوصول والعلاج في مستشفى خارج القطاع، وفي كل مرة، كانت تتلقى مماطلات وردودا إما بالرفض، أو قيد الدراسة.

تعقيدات إسرائيلية

وقال محامي مركز الميزان لحقوق الإنسان، الذي يتابع ملف المرضى الممنوعين من العلاج، ويقدم لهم المركز مساعدات قانونية، إن آلية صدور تصريح من أجل العلاج خارج القطاع، طويلة ومعقدة، وتمر بعدة مراحل، فبعد الحصول على نموذج التحويل من قبل المستشفى الحكومي في القطاع، يتقدم المريض بطلب الحصول على تحويلة طبية من دائرة شراء الخدمة بوزارة الصحة، ثم التقدم لحجز موعد في المستشفى المتخصص، من قبل دائرة شراء الخدمة، الذي يرد بتوفر العلاج للمريض، ويحدد له موعد القدوم، وحتى الآن الإجراءات المذكورة لا تحتاج إلى وقت طويل، وبعد ذلك يتم إرسال كل الأوراق للاحتلال للحصول على تصريح مغادرة، إذ يشترط الاحتلال أن يكون هناك 14 يوماً على الأقل بين توقيت إرسال الأوراق وموعد المستشفى، ومن هنا تبدأ المشكلة.

وتعرض التقارير والأوراق على لجنة طبية إسرائيلية، مقرها حاجز "إيريز"، التي تعطي توصية للجهات الأمنية، وثلث الطلبات التي تقدم تعرقلها اللجنة، ناهيك عن عراقيل الجهات الأمنية وهي الأصعب، ما قد يتسبب بانتهاء موعد المستشفى، وانتهاء صلاحية التحويلة الطبية، حيث يعيد المريض الكرة من جديد للحصول على تحويلة طبية أخرى، وموعد مستشفى جديد، وهذا يستغرق بين 30 و40 يوماً، ما يعني مزيداً من تفاقم حالته الصحية.

ولزيادة التعقيدات الإسرائيلية على المرضى، ففي حال حصل المريض ومرافقه على تصريح مرور، يكون التصريح محدداً بيوم واحد فقط "عدة ساعات"، وفي حال حدث أمر طارئ لدى المريض أو خلل في إبلاغه، يفقد حقه في السفر، وعليه خوض كل الإجراءات من جديد.

وأكد الطبيب محمود الشيخ علي، استشاري ورئيس قسم الباطنة في مستشفى غزة الأوروبي، أن وصول المريض للمستشفى متأخراً، أو بعد الموعد الذي يحدده الطبيب المختص قد يضر بحالته، ويصبح العلاج غير ناجع، خاصة مرضى الأورام ممن يتم تحديد بروتوكول علاجي محدد بوقت زمني، لذلك من الخطورة المماطلة في منح المريض تصريحاً يسمح له بالوصول للقطاع.

موت من أجل العلاج

ويضطر بعض المرضى ممن يحصلون على تصاريح للعلاج البقاء في الضفة، بعد انتهاء العلاج بمرحلة أو أكثر من مراحل علاجهم المتتابع، خشية العودة لقطاع غزة، ومن ثم منعهم للعودة للمستشفى مرة أخرى، كما حدث مع الشاب محمود سامي عرام، الذي دفع حياته ثمناً لمحاولته الحصول على حقه في علاج مستمر دون توقف، إذ قضى برصاص قوات الاحتلال في الحادي عشر من أيار الماضي، خلال محاولته الالتفاف على حاجز عسكري قرب مدينة طولكرم.

ووفق إفادة إياد عرام عم الشهيد، وهو يقطن مدينة خان يونس، جنوب القطاع، فإن ابن شقيقه غادر القطاع بعد حصوله على تحويلة علاج من قبل وزارة الصحة في أوائل العام 2020، إلى مستشفيات الضفة، للعلاج من إصابات معقدة في شبكية العين، وكان يخضع لرحلة علاج طويلة، تتخللها فترات توقف، وكان ينوي العودة للقطاع، لكن البعض نصحه بأنه في حال عاد إلى القطاع قد يمنعه الاحتلال من مغادرته مجدداً، ويعجز عن الوصول للمستشفى، ويُحرم من علاجه، ما اضطره للبقاء في مدينة أريحا، ليسهل عليه الوصول للمستشفى كلما حان موعد العلاج.

وخلال العام 2021 عرقل الاحتلال سفر 7514 مريضاً، ومنعهم من الوصول لمستشفيات الضفة والقدس والداخل، للعلاج وذلك من أصل 21532 طلب تصريح للعلاج، أي ما نسبته 34,8% من إجمالي الطلبات، بينما تجاوز حالات المنع من السفر للعلاج، أو المماطلة في إصدار تصاريح منذ بداية العام الحالي 4169 مريضاً.

وإضافة إلى وفاة أربعة مرضى خلال انتظارهم الحصول على تصاريح منذ بداية العام الجاري، توفي 4 مرضى آخرون بينهم ثلاثة أطفال، من المحولين للعلاج خارج قطاع غزة، في ظروف مماثلة، بينهم طفلان، خلال العام 2021.

ووثق مركز الميزان وفاة 63 مريضاً، بينما كانوا ينتظرون الحصول على موافقة سلطات الاحتلال للمرور عبر حاجز "إيريز" خلال الفترة من 2017 حتى 2021، بينهم 8 أطفال و22 سيدة.

ووفق مراكز حقوقية ومطلعين على أوضاع المرضى، فإن ما يحصل هو إعدام بطريقة غير مباشرة، فاللجنة الطبية الإسرائيلية في معبر "إيريز"، التي تمنح توصيات للجهات الأمنية، تعي خطورة رفض سفر مريض علاجه غير متوفر في غزة، خاصة مرضى السرطان، وأمراض الدم والغدد، وفي بعض الأحيان تعمل هذه اللجنة والجهات الأمنية الإسرائيلية، على قطع العلاج عن المريض في منتصف الطريق، بأن تسمح له بالمرور على حاجز بيت حانون عدة مرات، ومن ثم تمنعه فجأة من العودة للمستشفى لاستكمال العلاج.