الزمن والإنسان.. محاولة لتيسير الفهم

تم النشر: 21-07-2022 الساعة 14:12

تعلمنا ونحن صغار وحدات القياس وفهمناها ودخلت في عقولنا وشكّلت نظرتنا إلى المسافات والزمن.

الكيلومتر والمتر والسنتيمتر والمللى متر، وهى ما كان ذهننا يستوعبه. كذلك في الأوزان، الطن والكيلوجرام والجرام وهكذا. أما في الزمن فكان قياسنا هو الساعة والدقيقة والثانية.

ولو سألت أي إنسان عن طول السنة، لقال لك بلا تردد 365 يومًا، إلا أنه بتحرى الدقة فإن السنة الشمسية يتم احتساب عدد أيامها من خلال دوران الأرض حول الشمس، فالدورة الواحدة تعنى إتمام سنة شمسية، وتستغرق بالتحديد 365 يومًا و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية.. أي ما يعادل 365.2435 يوم.

ماذا فعل علماء الفلك في الـ5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، التي ستظل تتراكم سنة بعد أخرى؟.

أوجدوا السنة الكبيسة حلًّا لمشكلة التوافق الزمنى بين التقويم الميلادى والدورة الفلكية للأرض حول الشمس، بإضافة يوم كامل 24 ساعة إلى شهر فبراير كل 4 سنوات، إلا أن ذلك لم يكن مثاليًّا، حيث ستظل السنة التقويمية تتجاوز السنة الشمسية بمقدار 11 دقيقة و14 ثانية.

وينتج عن تراكم هذه الدقائق والثوانى يوم إضافى جديد كل 131 سنة تقويمية، ويستتبع ذلك إلغاء السنة الكبيسة مرة واحده كل 400 عام، وهو ما يساعد على تقليص الفارق الزمنى الذي يحدث بمقدار نصف الدقيقة لصالح السنة التقويمية، ما يعنى أن السنة الشمسية ستتأخر عن السنة التقويمية بمقدار يوم واحد كامل بعد 3300 سنة.

ولو لم تُقيد البشرية نفسها بالحساب الدقيق، (رغم تدخلات السياسة والكنيسة غير العلمية) وبالسنوات الكبيسة منذ نحو 750 عامًا، لكان التقويم الميلادى سيتوقف عن التطابق مع المواسم في نهاية المطاف، ولاخْتَلَّ النظام الذي يضبط حياة الإنسان على الأرض، فيأتى الشتاء في شهور الصيف، والربيع في شهور الشتاء، وهكذا.

ومن ناحية أخرى، تُعرف السنة القمرية بأنها المدة التي يحتاجها القمر ليُتم اثنتى عشرة دورة كاملة حول الأرض، كل دورة تكون شهرًا قمريًّا، والسنة القمرية بدقة الحساب 354 يومًا و8 ساعات و48 دقيقة و34 ثانية، أي أن هناك فرقًا بين السنة الشمسية والسنة القمرية قدره عشرة أيام و١٦ ساعة و١٢ ثانية، ونفس الأمر الذي أجراه العلماء مع السنة الشمسية أجروه مع السنة القمرية حتى يتم ضبط السنة وأيامها باستخدام علم الفلك والحسابات الدقيقة، ولكن أسلافنا العرب بعد وفاة الرسول، «ص»، رفضوا إحداث التعديلات الحسابية الواجبة فيها، مما جعلها غير متوافقة مع حركة الفصول، فأصبح شهر ربيع مثلًا، الذي موعده هو الربيع كما يقول اسمه، يأتى مرة في الشتاء ومرة في الصيف، واختل موعد شهر رمضان ومواعيد الحج وغيرها من الفصول، ولهذا تفصيل دقيق وواضح ارتضى المسلمون أن يهملوا حسابه بلا تدبر، فاختلت الشهور القمرية، وأصبح التقويم الهجرى لا تتلازم فيه الطقوس الدينية بحقيقة دورة زمانها وانتفت منفعته لحياة الإنسان.

الدقة في الحساب والعلم انتقلت من السنين والشهور والأيام إلى الساعات والدقائق والثوانى، والآن تنتقل البشرية إلى كسور الثوانى في عالم ما هو أصغر من الذرة ومكوناتها، وتم اكتشاف حقائق تفوق الخيال، ولكن لم يتم تقريبها إلى الذهن البشرى بنفس بساطة المقاييس التي استوعبها البشر عبر التاريخ.

اكتشف أينشتين علاقة السرعة بالحجم، وقال ببساطة إن الزمن نسبى وغير ثابت، وإن المادة يقل حجمها بزيادة سرعتها، والجسم إذا تحرك بسرعة الضوء ينعدم وجوده الكمى.

وأعود إلى قياس الزمن، الذي بدأته على مستوى حركة الأرض والشمس والكواكب، وأنفذ إلى عالم الكوانتم وحركة الجسيمات داخل الذرة.

كلنا يعرف الثانية، ولكن أغلبنا لا يستوعب وحدة زمن أقل منها!!.

لقد عرف الإنسان كل ذلك بداية من خلال خياله، ثم نظرياته، ثم الإثبات العلمى لها، وسانده ما اخترعه من أدوات تراقب حركة الكواكب والنجوم، ففهم قواعد الفيزياء، وأخرى تراقب ما هو دون الذرى غير المرئى، وهو ما يسمى الفيزياء الكمية.

إذن يحتاج الأمر التحقق من وجود الأشياء، ثم مراقبة حركتها، ثم استخدام وحدات زمن لقياس سرعتها بالنسبة إلى بعضها للوصول إلى نتائج علمية لم تخطر على بال البشر من قبل.

هنا نتفهم أهمية العمل البحثى الذي قام به د. زويل منذ أكثر من عشرين سنة وحصل على جائزة نوبل عليه، فقد استطاع من خلال تصوير تفاعلات جزيئات المواد داخل الذرة وقياس سرعة حركتها أن يثبت حقيقة ما كان خيالًا.

ولكى أُقرب الأمر إلى الذهن كما قرأت، فتعالوا نتخيل أننا نريد تصوير سيارة لا تتحرك أو تتحرك ببطء، لذلك نحتاج إلى كاميرا عادية تفتح عدستها وتغلق لالتقاط الصورة، ولأن السيارة لا تتحرك أو حركتها بطيئة جدًّا أبطأ من سرعة فتح وإغلاق عدسة الكاميرا أثناء التقاط الصورة، لذا تظهر صورتها.

أما إذا كان المطلوب تصوير فأر يجرى بسرعة وليس سيارة ساكنة، فهنا لابد أن يتوفر للكاميرا أمران: أولًا لابد أن تعمل زووم لكى تستطيع تصوير الفأر بحجمه الصغير، ولابد أن تكون سرعة التقاط الصورة أسرع من سرعة الفأر وهو يجرى. كلام سهل ومنطقى.

زويل وفريقه اخترعوا كاميرا يمكنها أن تعمل زووم لكى تستطيع تصوير جزيئات لا تشغل من الفراغ سوى جزء واحد من مليار جزء من المتر، أو ما يساوى جزءًا من مليون جزء من الملليمتر، وهو ما أصبح يسمى «نانومتر»، بل إن النانومتر مُقسَّم إلى بيكومترات، وهو مقياس أصغر ألف مرة من النانومتر.

أغلق عينيك، واترك لذهنك الخيال في الأبعاد!!

هذا الجزىء الذي يتم تصويره وهو يتحرك داخل الذرة لابد لعدسة الكاميرا لكى تلتقطه أن تفتح وتغلق بسرعة حركة ما يتم تصويره، وهى وحدة الزمن التي أصبحت تسمى فيمتو ثانية، وإلا فإن هذا الجزىء سيمر أمام الكاميرا ولا تلتقطه. الفيمتو ثانية وحدة زمنية تمثل مليون مليار (كوادرليون) جزء من الثانية، والنسبة بين الثانية والفيمتو ثانية كالنسبة بين الثانية و32 مليون سنة.

جاء الآن عالِم آخر مصرى أيضًا (فى جامعة أمريكية أيضًا) وفريق آخر من الباحثين، ونزل بزووم الكاميرا ١٠٠٠ مرة أقرب من زووم كاميرا زويل، وبالتالى استطاع رؤية الإلكترون داخل الذرة، ولأن الإلكترون يتحرك بسرعة الضوء تقريبًا، فلكى يستطيع تصويره لابد من أن تفتح وتغلق عدسة الكاميرا في وحدة زمن أقل من الفيمتو ثانية، وهى الأتوثانية. أتوثانية هي وحدة زمنية تعادل 10- 18 من الثانية، (واحد كوينتليون من الثانية). ولسياق الموضوع، فإن أتوثانية إلى الثانية تعادل زمن ثانية إلى 31.71 مليار سنة أو ضِعف عمر الكون.

يا إلهى على المعرفة والعلم.

كل ذلك يحدث داخل الذرات في دائرة قطرها ١ بيكومتر، الذي هو أصغر من النانومتر ألف مرة، يعنى ما يعادل جزءًا من تريليون (مليون مليون) جزء من المتر، الذي يستوعب ذهننا طوله.

نعلم الآن أن الجسيمات الأولية التي تتشكل منها المادة هي ما يسمى كواركات، (التى تضم البروتونات والنيترونات) وليبتونات (تضم الإلكترونات).

وتلك هي وحدة بناء المادة، أي مادة في الكون كله، ومكونة من أوتار خيطية: (String Theory). ميكانيكا الكم أوضحت دمج الخاصية الجسيمية والخاصية الموجية ليظهر مصطلح ازدواجية الموجة- الجسيم، فقد يظهر الجسيم كمادة أحيانًا وكموجة أحيانًا أخرى.

وحقيقة أن كل جسيم داخل الذرة هو جسيم وموجة في نفس الوقت (ازدواج الوجود) تجعلنا نتفكر في طبيعة وجودنا.

والمذهل في ازدواج الوجود هو أن الطاقة تتواجد كمادة حسب شكل ذبذبات (الأوتار) المكونة للكواركات.

ولكى أُقرب فهمى غير المحترف للقارئ، تخيل أن حروف اللغة ٢٨ حرفًا، ولكن يمكن أن ينتج منها كل هذا المكتوب من الشعر والأدب عبر التاريخ.. وكل الموسيقى بكل أشكالها ونغماتها تنتج من سلم موسيقى بسيط، وكل مادة الكون تنتج من ذبذبات الأوتار داخل الكواركات، وكأن الخالق يعزف سيمفونية بتحريكه هذه الذبذبات كيفما أراد.

استنادًا إلى نظرية الأوتار الفائقة، نجد أن الكون ليس وحيدًا، وإنما هنالك أكوان عديدة متصلة ببعضها البعض، ويرى العلماء أن هذه الأكوان متداخلة، ولكل كون قوانينه الخاصة به، بمعنى أن الحيز الواحد في العالم قد يكون مشغولًا بأكثر من جسم، ولكن من عوالم مختلفة.

إذًا يتبلور فهمى البسيط لجملة «كُن فيكون» ليصبح واضحًا في الذهن قدرة الخالق على تغيير النغمة عندما يريد، فتتغير المادة أو قد ينشأ خلق جديد، والله أعلم.